فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفراء:

سورة الحاقة:
{الْحاقّةُ * ما الْحآقّةُ}
قوله عز وجل: {الْحاقّةُ.. ما الْحآقّةُ..}.
والحاقة: القيامة، سميت بذلك لأن فيها الثواب والجزاء، والعرب تقول: لما عرفت الحقة منى هربت، والحاقة. وهما في معنى واحد.
والحاقة: مرفوعة بما تعجبت منه من ذكرها، كقولك: الحاقة ما هي؟ والثانية: راجعة على الأولى. وكذلك قوله: {وأصْحابُ الْيمِينِ ما أصْحابُ الْيمِين} و{القارِعةُ ما الْقارِعةُ} معناه: أي شيء القارعة؟ فما في موضع رفع بالقارعة الثانية، والأولى مرفوعة بجملتها، والقارعة: القيامة أيضا.
{سخّرها عليْهِمْ سبْع ليالٍ وثمانِية أيّامٍ حُسُوما فترى الْقوْم فِيها صرْعى كأنّهُمْ أعْجازُ نخْلٍ خاوِيةٍ}
وقوله: {سخّرها عليْهِمْ سبْع ليالٍ وثمانِية أيّامٍ حُسُوما..}.
والحسوم: التِّباع إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوله عن آخره، قيل فيه: حسوم، وإنما أُخذ- والله أعلم- من حسم الداء إذا كُوى صاحبُه؛ لأنه يكوى بمكواةٍ، ثم يتابع ذلك عليه.
{فهلْ ترى لهُم مِّن باقِيةٍ}
وقوله: {فهلْ ترى لهُم مِّن باقِيةٍ..}. من بقاءٍ، ويقال: هل ترى منهم باقيا؟، وكل ذلك في العربية جائز حسن.
{وجاء فِرْعوْنُ ومن قبْلهُ والْمُؤْتفِكاتُ بِالْخاطِئةِ}
وقوله: {وجاء فِرْعوْنُ ومن قبْلهُ..}.
قرأها عاصم والأعمش وأهل المدينة: {ومن قبله}، وقرأ طلحة بن مصرِّف والحسن، أو أبو عبد الرحمن- شكّ الفراء ـ: {ومن قِبلهُ}، بكسر القاف. وهى في قراءة أبىّ: {وجاء فِرْعوْنُ ومن معه}، وفى قراءة أبى موسى الأشعرى: {ومن تِلْقاءه}، وهما شاهدان لمن كسر القاف؛ لأنهما كقولك: جاء فرعون وأصحابه. ومن قال: ومن قبْلهُ: أراد الأمم العاصين قبله.
وقوله: {والْمُؤْتفِكاتُ بِالْخاطِئةِ..}.
الذين ائتفكوا بخطئهم.
{فعصوْاْ رسُول ربِّهِمْ فأخذهُمْ أخْذة رّابِية}
وقوله: {فأخذهُمْ أخْذة رّابِية..}.
أخذة زائدة، كما تقول: أربيت إذا أخذ أكثر مما أعطاه من الذهب والفضة، فتقول: قد أربيت فربا رِباك.
{لِنجْعلها لكُمْ تذْكِرة وتعِيهآ أُذُنٌ واعِيةٌ}
وقوله: {لِنجْعلها لكُمْ تذْكِرة..} لنجعل السفينة لكم تذكرة: عظة.
وقوله: {وتعِيهآ أُذُنٌ واعِيةٌ..}.
يقول: لتحفظها كل أذن؛ لتكون عظة لمن يأتى بعد.
{وحُمِلتِ الأرْضُ والْجِبالُ فدُكّتا دكّة واحِدة}
وقوله: {وحُمِلتِ الأرْضُ والْجِبالُ فدُكّتا..}
ولم يقلْ: فدككن؛ لأنه جعل الجبال كالواحد وكما قال: {أنّ السّماواتِ والأرْض كانتا رتْقا} ولم يقل: كنّ رتقا، ولو قيل في ذلك: وحملت الأرض والجبال فدكّت لكان صوابا؛ لأن الجبال والأرض كالشيء الواحد.
وقوله: {دكّة واحِدة..}.
ودكُّها: زلزلتها.
{وانشقّتِ السّماءُ فهِي يوْمئِذٍ واهِيةٌ}
وقوله: {وانشقّتِ السّماءُ فهِي يوْمئِذٍ واهِيةٌ..} وهْيُها: تشققها.
{والْملكُ على أرْجآئِهآ ويحْمِلُ عرْش ربِّك فوْقهُمْ يوْمئِذٍ ثمانِيةٌ}
وقوله: {ويحْمِلُ عرْش ربِّك فوْقهُمْ يوْمئِذٍ ثمانِيةٌ..} يقال: ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة.
{يوْمئِذٍ تُعْرضُون لا تخْفى مِنكُمْ خافِيةٌ}
وقوله: {لا يخْفى مِنكُمْ خافِيةٌ..}.
قرأها يحيى بن وثاب بالياء، وقرأها الناس بعد- بالتاء- {لا تخفى}، وكلٌّ صواب، وهو مثل قوله: {وأخذ الذين ظلمُوا الصّيْحةُ}. وأخذت.
{فأمّا منْ أُوتِي كِتابهُ بِيمِينِهِ فيقول هآؤُمُ اقْرؤُاْ كِتابيهْ}
وقوله: {فأمّا منْ أُوتِي كِتابهُ بِيمِينِهِ..}.
نزلت في أبى سلمة بن عبد الأسد، كان مؤمنا، وكان أخوه الأسود كافرا، فنزل فيه: {وأمّا منْ أُوتِي كِتابهُ بِشِمالِهِ..}.
{إِنِّي ظننتُ أنِّي مُلاقٍ حِسابِيهْ}
وقوله: {إِنِّي ظننتُ أنِّي مُلاقٍ حِسابِيهْ..} أي: علمت، وهو مِن علم ما لا يعاين، وقد فسِّر ذلك في غير موضع.
{فهُو فِي عِيشةٍ رّاضِيةٍ}
وقوله: {فِى عِيشةٍ رّاضِيةٍ..}
فيها الرضاء، والعرب تقول: هذا ليل نائم، وسر كاتم، وماء دافق، فيجعلونه فاعلا، وهو مفعول في الأصل، وذلك: أنهم يريدون وجه المدح أو الذم، فيقولون ذلك لا على بناء الفعل، ولو كان فعلا مصرحا لم يُقل ذلك فيه، لأنه لا يجوز أن تقول للضارب: مضروب، ولا للمضروب: ضارب؛ لأنه لا مدح فيه ولا ذم.
{ياليْتها كانتِ الْقاضِية}
وقوله: {ياليْتها كانتِ الْقاضِية..}.
يقول: ليت الموتة الأولى التي منها لم أحى بعدها.
{ثُمّ فِي سِلْسِلةٍ ذرْعُها سبْعُون ذِراعا فاسْلُكُوهُ}
وقوله: {ثُمّ فِي سِلْسِلةٍ ذرْعُها سبْعُون ذِراعا فاسْلُكُوهُ...}.
ذكر أنها تدخل في دبر الكافر، فتخرج من رأسه، فذلك سلْكُه فيها. والمعنى:
ثم اسلكوا فيه سلسلة، ولكن العرب تقول: أدخلت رأسى في القلنسوة، وأدخلتها في رأسى، والخاتم يقال: الخاتم لا يدخل في يدى، واليد هي التي فيه تدخل من قول الفراء.
قال أبو عبد الله محمد بن الجهم: والخف مثل ذلك، فاستجازوا ذلك؛ لأن معناه لا يُشكل على أحد، فاستخفوا من ذلك ما جرى على ألسنتهم.
{ولا طعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ}
وقوله: {ولا طعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ...} يقال: إنه ما يسيل من صديد أهل النار.
{ولوْ تقول عليْنا بعْض الأقاوِيلِ * لأخذْنا مِنْهُ بِالْيمِينِ}
وقوله: {ولوْ تقول عليْنا بعْض الأقاوِيلِ...} يقول: لو أن محمدا صلى الله عليه تقول علينا ما لم يؤمر به {لأخذْنا مِنْهُ بِالْيمِينِ...}، بالقوة والقدرة.
{فما مِنكُمْ مِّنْ أحدٍ عنْهُ حاجِزِين}
وقوله: {فما مِنكُمْ مِّنْ أحدٍ عنْهُ حاجِزِين...}.
أحد يكون للجميع وللواحد، وذكر الأعمش في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألم تحل الغنائم لأحد سُودِ الرءوس إلاّ لنبيكم صلى الله عليه وسلم»، فجعل: أحدا في موضع جمع. وقال الله جل وعز: {لا نُفرِّقُ بيْن أحدٍ مِنْهُمْ} فهذا جمع؛ لأنّ بين- لا يقع إلاّ على اثنين فما زاد. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة الحاقة:
{الحاقة[1]} فاعلة من الحق، وهي القيامة التي يحق فيها الوعد والوعيد. {وما أدراك ما الحاقة} [3] إذ لم يكن هذا الاسم في لسانهم. أو معناه: إنك لا تدري ما يكون في الحاقة. {بالقارعة} [4] بالقيامة، لأنها تقرع القلوب بالمخافة. {بالطاغية} [5] بالصيحة العظيمة، كقوله تعالى: {طغا الماء}، أي: عظم ارتفاعه، وجاوز حده، ومنه الطغيان في مجاوزة الحد.
{حسوما} [7] متتابعة، من حسم الكي: إذا تابعت عليه بالمكواة. وعن مقاتل: قاطعة أدبارهم، فيكون التقدير: تحسمهم حسوما. {خاوية} [7] ساقطة. خوى النجم سقط في المغرب. {من باقية} [8] مصدر، أي: من بقاء.
وقيل: تقديره: من نفس باقية. {ومن قبله} [9] ومن يليه من أهل دينه. قال سيبويه: هو لما ولي الشيء. تقول: ذهب قبل السوق، ولي قبله حق. ونصبه على ظرف المكان. {والمؤتفكات} [9] المنقلبات بالخسف. {رابية} [10] زائدة. {وتعيها أذن واعية} [12] اي: حملناكم في السفينة، لأن نجعلها لكم تذكرة، ولأن تعيها، فلما توالت الحركات، اختلست حركة العين، وجعلت بين الحركة والإسكان. {ثمانية} [17] أي: ثمانية صفوف، أو ثمانية أصناف. {فأما من أوتي كتابه بيمينه} [19] العرب تجعل اليمين للمحبات والمسار، والشمال بخلاف ذلك. قال:
أبيني أفي يمنى يديك جعلتني ** فأفرح أم صيرتني في شمالك

وقال ابن ميادة:
ألم تك في يمنى يديك جعلتني ** فلا تجعلني بعدها في شمالكا

{هاؤم اقرءوا كتابيه} [19] أي: خذوا، تقول للمذكر: هاء بفتح الهمزة، وفي التثنية: هاؤما، وفي الجميع: هاؤم، وللمرأة: هاء بكسر الهمزة، وهاؤما كالمذكرين، وللنسوة: هاؤن، وفيه لغات أخر يلطف عنها هذا الكتاب. {ظننت أني ملاق حسابيه} [20] ظننت أن الله يؤاخذني بذنوبي فعفا عني. {عيشة راضية} [21] ذات رضى، كقولهم: ليل دائم، وماء دافق، وامرأة طامث وطالق.
{يا ليتها كانت القاضية} [27] أي: موتة لا بعث بعدها. {هلك عني سلطانيه} [29] ما كان من تسليط على نفسه. ومثل هذه الهاءات لبيان الحركة، قول عبد الله بن قيس الرقيات:
إن الحوادث بالمدينة قد ** أوجعنني وقرعن مروتيه

وجببنني جب السنام فلم ** يتركن ريشا في مناكبيه

{حميم} [35] صديق، وهو الذي إذا أصابك مكروه احترق لك. {غسلين} [36] على وزن فعلين، غسالة جروحهم وأجوافهم. وقيل: إنه العرق والصديد. وفي معناه قال الطرماح:
يبل بمعصوم جناحي ضئيلة ** أفاويق منها هلة ونقوع

وقال آخر:
وليس بها ريح ولكن وديقة ** يظل لها الساري يهل وينقع

{إنه لقول رسول} [40] أي: تلاوته، أي: محمد صلى الله عليه. {لأخذنا منه باليمين} [45]
أي: لقطعنا منه يمينه. وقيل: لأخذنا منه بالقوة القاهرة. وقيل: لأخذنا منه بالحق، وبذلك يفسر بيت الشماخ:
إذا بلغتني وحملت رحلي ** عرابة فاشرقي بدم الوتين

إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين

أي: بالاستحقاق. والوتين: عرق بين العلباء والحلقوم، كما في شعر الشماخ.
تمت سورة الحاقة. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة الحاقة:
{لِنجْعلها لكُمْ تذْكِرة وتعِيهآ أُذُنٌ واعِيةٌ}
قال: {وتعِيهآ أُذُنٌ واعِيةٌ} لأنك تقول: (وعتْ ذاك أذُنِي) و(وعاهُ سمْعِي) و(أوْعيْتُ الزاد) و(أوْعيْتُ المتاع) كما قال الشاعر: من البسيط وهو الشاهد الحادي والسبعون بعد المئتين:
الخيْرُ يبْقى وإِنْ طال الزّمانُ بِهِ ** والشرُّ أخْبثُ ما أوْعيْت مِنْ زادِ

{فإِذا نُفِخ فِي الصُّورِ نفْخةٌ واحِدةٌ}
وقال: {فإِذا نُفِخ فِي الصُّورِ نفْخةٌ واحِدةٌ} لأن الفعل وقع على النفخة اذا لم يكن قبلها اسمٌ مرْفوع.
{والْملكُ على أرْجآئِهآ ويحْمِلُ عرْش ربِّك فوْقهُمْ يوْمئِذٍ ثمانِيةٌ}
وقال: {والْملكُ على أرْجآئِهآ} وواحدها (الرّجا) وهو مقصور.
{ولا طعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ}
وقال: {إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ} جعله- والله أعلم- من (الغسْل) وزاد الياء والنون بمنزلة (عُفْرِين) و(كُفْرِين).
{فما مِنكُمْ مِّنْ أحدٍ عنْهُ حاجِزِين}
وقال: {فما مِنكُمْ مِّنْ أحدٍ عنْهُ حاجِزِين} على المعنى لأن معنى {أحد} معنى جماعة. اهـ.